أضواء الشهرة
الذين يعيشون في الأضواء ويتمتعون بالشهرة والمال، وينعمون بكل ما يتمناه الحالمون من فراغ وشباب، يظنون أو يظن المعجبون بهم والمتابعون لكل حركاتهم وسكناتهم، وأنشطتهم العامة وهواياتهم أو نزواتهم الخاصة.. أنهم ماداموا في هذا العز، تحيط بهم البهارج، وتتزاحم عليهم عدسات المصورين، فإنهم في منأى عن عين القدر المطلعة، وقضائه النافذ، وحكمه المحتوم.. حتى إذا وقعت الواقعة وحل بأحد هؤلاء المشاهير مكروه، ونزلت به نازلة لا يملك أحدٌ ردّها، أفاق المخمورون من سكرتهم، وصحا الغافلون على وقع الصفعة الأليمة، أو الصدمة المروعة، وفجأَتْهم سرعة التحول، وتساقط النجوم، واختفاء العروش الموهومة، وأدركوا أن لهذا الكون رباً لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء بيده الملك، وإليه الأمر، وهو على كل شيء قدير.
وإذا كان بعض الناس يفهمون بطريقة علمية لا تخلو من جفاف وبرود قول الحق تبارك وتعالى: "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيـا إلا متاع الغرور" فإن الجميع بعد أن تفتح المفاجآت عيونهم يدركون بكل مشاعرهم وأحاسيسهم وجوارحهم أن الحياة التي يحيونها ما هي إلا متاع الغرور، إنها وهمٌ كبير يُخَيَّـل إليهم أنه دائم، ولن يعكر صفو استغراقهم به أي معكر، فإذا بهم وجهاً لوجه أمام الحقيقة الكبرى، وهي أن كل شيء إلى زوال، مهما عمر وبنى، وجمع فأوعى، وإن الصعود إلى قمة الجبل، يعقبه الانحدار إلى السفح، مصداقاً لقول الشاعر:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ فلا يُغرُ بطيبِ العيشِ إنسانُ
هي الحياةُ كما شاهدتَها دِولٌ مَنْ سَـرّهُ زمنٌ ساءته أزمـانُ
يستوي في ذلك الكبار والصغار، والأغنياء والفقراء، الحاكمون والمحكومون، لا يستطيع أن يشذ عن هذه القاعدة الصارمة أحد مهما علا شأنه وزادت سطوته، سواء كان من فاعلي الخير وصانعي المعروف، أو كان من دعاة الشر ورواد المنكر.. وسواء كان رجلاً شديداً عنيداً أو فتاة لعوباً طروباً.. سيدركون جميعاً ـ ولو بعد انقضاء الأجل ـ صدق التوجيه القرآني: "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".